كما يعلم الجميع تعرضت قرى شق النوم وحلة حامد وغيرها من القرى في محلية بارا لهجمات غادرة من عناصر المليشيا والمرتزقة أودت بحياة العشرات من الأبرياء العزل، ونتجت عنها إصابة عدد كبير غيرهم مع إدخال الرعب وبث الذعر في نفوس المواطنين بعد الخطبة التي ألقاها المتمرد الشيخ مركز أحد قادة المليشيا عند زيارته لأهالي الشهداء في شق النوم حيث أنكر كالعادة أن يكون الدعم السريع هو من ارتكب تلك المجزرة البشعة وقد كذب ورب الكعبة. والأدهى والأمر أنه قال للمواطنين "إذا لم تكونوا مع الدعم السريع فإن الجيش لن يحميكم وفي هذه الحالة يجب عليكم إخلاء دياركم" وهذه لعمري كلمة باطل وأريد بها باطل.
ومن المؤسف أن حكومة ولاية شمال كردفان لم تفعل شيئا حيال الوضع المأسوي في محلية بارا، بل لاذت بالصمت المخجل ولم تعزي في رعاياها الذين قضوا في تلك الهجمات ولا حتى استخدمت عبارات الأمين العام لجامعة الدول العربية من قبيل نشجب ونستنكر وندين. والسبب في ذلك أن حكومة الولاية تعاني من العجز المدقع في القيام بواجبها تجاه المواطنين وهذا أمر قد بات من المعلوم بحكم الواقع نعوذ بالله من العجز وقلة الحيلة.
وقد حكى لي من ذهبوا للعزاء في شهداء تلك المجازر أنهم شاهدوا مجموعات كبيرة من الأسر المكلومة تحمل صغارها وكبار السن منهم على الدواب أو سيرا على الأقدام، وهم لا يحملون إلا قليلا من الماء والزاد، هائمين وسط القيزان شمال بارا، تلهب وجههم الحر، وهم في طريقهم إلى مناطق النزوح سواء في الفيافي أو قرى غرب النيل الأبيض، والمسافة طويلة والطريق محفوف بالمخاطر، والمليشيا تترصد بهم من كل حدب وصوب لنهب ممتلكاتهم تحت تهديد السلاح والعنف المفرط! وقبلهم أخرج سكان القرى الواقعة شرق أم قرفة من ديارهم قسراً، بعد أن منعوا من حمل أقل الأمتعة، وقد سار بعضهم أياماً عديدة حتى وصل إلى الدويم أو أم درمان. كل هذا ولم تتحرك أية جهة رسمية لا من الولاية ولا من غيرها لمد يد العون لهؤلاء البؤساء، الذين لم يكن لديهم ذنب أو جرم سوى أنهم من مواطني ولاية شمال كردفان.
وقد ضجت الأسافير يوم أمس بكثير من المقترحات والآراء التي تهدف للتصدي لهذه المشكلة قبل أن تخلو محلية بارا من سكانها تماماً. ونشرت صور لأناس من هؤلاء النازحين وهم يستظلون بأشجار الحراز والمرخ والعشر وكل هذه ليس لها ظل بالمعنى المفهوم للظل! عموما المشهد كما رأينا وسمعنا يدمي القلوب ويصيب الإنسان بنوع من الغبن ويشعره بالأسى وهو يرى رجالا ونساءً كانوا أعزاء مستقرين في ديارهم وقد أخرجوا منها بلا ذنب. وقد أعجبني في هذا الصدد ما كتبه الخبير الإداري المعروف أحمد آدم سالم الذي قال: "النفرة والقتال لحماية العرض والمال والأرض وقد أصبح ذلك كله فرض عين لحماية المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون ضربا في الأرض. وإن لم يحدث هذا فسوف يأتي الله بقوم غيركم ولا يكونون أمثالكم؛ لأنكم لن تجدوا من يتبع لكم ويسمع كلامكم بعد ذلك، إذا استمر الحال على ما هو عليه! هبوا بما استطعتم لحماية أرضكم وعرضكم وأموالكم يا أهل دار الريح وإن لم تفعلوا يكن في الأرض فساد كبير. الآن لدينا شهداء وأسرهم وجرحى ومفقودين ونازحين علينا التكاتف جميعا لتقديم يد العون لهم".
*بقلم/ محمد التجاني عمر قش