البرهان.. رحلة البحث عن رئيس وزراء بالولاء !!

 

 

*بقلم/ دكتور احمد التجاني محمد


*منذ قرارات "25 أكتوبر" ،ظل الرئيس عبد الفتاح "البرهان" في محراب الاستخارة الدائمة، لما يقارب الخمس "سنوات"، يستخير  الله تعالى، مبيتا  "بالخيرة"، ثم يتركها، ويتشاور مع القوى والأحزاب السياسية المتحالفة معه، ويفوضهم على تشكيل حكومة توافق وطني، ثم  يتركهم ويعود إلى  محرابه، يستخير الله في رأي جديد، حتى هداه الله وأصلح حاله ووقعت الخيرة مؤخرا في الدكتور كامل ادريس، كأول رئيس وزراء يخلف "حمدوك" منذ الإطاحة بحكومته، وإنهاء الشراكة مع قوى الحرية والتغير !


*خمس سنوات ظلت البلاد  في فراغ، وخلا المنصب وأصبح شاغرا من أهله، حتى وقعت الواقعة، وقامت الحرب،  وتشرد الناس، وعاشت البلاد أيام "نحسات"، امتلأت الميادين والشوارع، والحواري والأزقة بالجثث، وبيع "حرائر النساء" في اسواق النخاسة بدول الجوار، ونساء  وضعن حملهن اغتصابا وكرها، ونال  الناس ما نالوا من المذلة والمهانة في دول الجوار، مع وعثاء السفر، وكأبة المنظر، وآلام النزوح، واللجوء، والمرض والجوع!


*بسالة الجيش السوداني وتضحيات أبنائه بكافة مكوناته من الجيش، والمقاومة الشعبية والمشتركة، والشرطة والامن، رسموا بسمة  في وجوه من بقي من الشعب السوداني، باستعادة العاصمة الخرطوم والجزيرة وسنار، عزيمتهم الراسخة تشدهم وتحركهم نحو كردفان، ودارفور والمثلث، لتحريرهم من دنس "البغاة" مليشيا آل دقلو "الارهابية" وداعميهم كدولة الإمارات، وبالأمس لقنتهم قواتنا الباسلة درسا قاسيا في أم "صميمة"، والفاشر والمالحة، والمثلث وباذن الله ستطهر كافة ارجاء البلاد وتحرر من رجس الجنجويد، بصمود القوات المسلحة، والمقاومة الشعبية الذين توشحوا بالسلاح ولا يهمهم في ذلك من خذلهم!


*الفريق أول ركن عبد الفتاح "البرهان" بفترته  الانتقالية المفتوحة  التي لا يعلم احد مداها الا الله يتقلب وجهه نحو الانتخابات، ليتحول من رئيس مجلس السيادة، إلى رئيس الجمهورية، ومن القائد العام، إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة، عبر انتخابات حرة ونزيهة، غير أن مخاوفه تزداد مع مرور الأيام  في رئيس وزراء يهندس له هذا التحول المدني، ولا  يشاركه في مرتبة "القطبانية" كلمة مشهورة عند "الصوفية" ورئيس الجمهورية عند أهل السياسة، مما يعني بالضرورة أن وقوع  خيرة "البرهان" على الدكتور "كامل" لم تكن صدفة، بل توفرت رغبة أكيدة للدكتور "كامل" الباحث الحثيث عن منصب سيادي مرموق يختم به حياته  العملية والعلمية وسيرته الذاتية، وأعتقد أنه قدم قسم الولاء التام "للبرهان" شخصيا ليعرج به نحو المنصب الذي عجز عن حصوله في انتخابات  2010م، هنا نجد في الأمر تحقيق مصلحة لكلا الطرفين، "فكامل" لن يجرب المجرب ولن ينافس "البرهان"، متى ما قرر البرهان ترشيح نفسه في  الانتخابات، لأن عمره وصحته لا تسمح له بذلك! 


*"الولاء" أمره عظيم وخطبه جسيم، واهتمت الشريعة الإسلامية بالولاء بل جعل ذلك واحدة من أهم أسباب الميراث في الإسلام .


 *وقبل عدة أعوام  سألني بعض الأصدقاء طلاب المعادلة في تنظيم مهنة القانون، أن أكتب وألخص لهم شذرات مختصرة  في علم الفرائض،  منظومة بغية الباحث في تحقيق إرث الوارث، لشارحهها العلامة ابو عبد الله محمد بن علي "الرحبي" فاجبتهم لذلك راجيا من الله الأجر والثواب .

 

*المنظومة استهلت  باسباب الميراث، وقال الناظم:

*اسباب ميراث الورى ثلاثة، كل بفيد ربه الوراثة، وهي نكاح وولاء ونسب، ما بعدهن للمواريث سبب. 


*لن أتحدث عن النكاح والنسب،  فذاك امر معروف، بل أتحدث عن نعمة المعتق على عتيقه، لنقف على الولاء التام الذي تعني الحقوق والواجبات التي تنشأ بين شخص أعتق عبدا، وبين هذا العبد المعتق، ومعلوم بداهة، عندما يعتق شخص عبده، يصبح بينهما ما يعرف "بالولاء". 

*وهو علاقة ولاء ونصرة وميراث تنشأ بين المعتق والعتيق. 

*والسبب الرئيسي للولاء هو نعمة العتق التي قدمها المعتق للعبد، ويترتب على ذلك أحكام الميراث فإذا مات العتيق ولم يكن له ورثة، من النسب أبناء او  إخوة، إلخ يرثه المعتق أو عصبته من الذكور. 


*المعتق يعتبر مسؤولاً عن العتيق في بعض الأمور، مثل الدية المال الذي يدفع في القتل الخطأ، ونعمة المعتق على عتيقه تعني الحقوق والواجبات  التي تنشأ بينهما، فعندما يعتق شخص  عبده يصبح بينهما ما يُعرف بالولاء،  والولاء هو علاقة نصرة وميراث بولاء تام، والمعتق ملزم بنصرة العتيق، وتقديم العون والمساعدة له. 

*وبثبوت الولاء يكون نعمة المعتق على عتيقه بالعتق، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الولاء لمن أعتق». 


*أعود من العتق عند الفقهاء، إلى العتق عند السياسيين، "كفلسفة" جديدة، واعرج نحو "البرهان" لننظر هل فعلا ظهرت "نعمته" على رئيس الوزراء الدكتور/ "كامل إدريس"، وهل يوجد  رباط وثيق يفصح عن هذا الولاء الذي يترتب عليه حكم النصرة، وتقديم العون  والمساعدة، ولنبدأ بأولى الخطوات الدالة على ذلك:                           حين إشتدت الأزمة بين الحركات الموقعة على سلام جوبا حول المناصب وتمسكت الحركات بوزرائهم، والوزارات التي تحصلوا عليها، وتمسك رئيس الوزراء "كامل" بحرية الإختيار، صرح الفريق ياسر العطا عن ذلك، وانه ليس هناك ما يلزم للابقاء على مرشح حركة العدل والمساواة، الدكتور جبريل ابراهيم للمالية ومرشح حركة جيش تحرير السودان للمعادن، إنفض قادة الحركات من عند رئيس الوزراء، وذهبوا مباشرة للرئيس البرهان ولسان حالهم يقول (أنما الولاء لمن أعتق) فاجتمع قادة الحركات بالبرهان وقالوا له ما قالوا، فوعدهم الرئيس بما ارادوا،  وتحدث البرهان مع رئيس الوزراء كامل، واعيد تعيين جبريل للمالية، وسيعود مرشح مناوي للمعادن. 


*لدي قناعة تامة بأن هناك خطة مدروسة، ومرسومة ومتفق عليها مسبقا، لتدوير نفايات قحت الظهير السياسي لمليشيا آل دقلو الارهابية مرة أخرى،   بأي واجهة كانت، تقدم ، او تاسيس أو "صمود" سمي ما شئت ولا 'مشاحة' في المصطلحات فترشيحات الدكتور كامل إدريس لوزرائه مؤشرا لذلك ومقدمة  لتنفيذ تلك الخطة بدليل: ترشيح احمد القرشي، وزيرا للاعلام، لكنه إعتذر بعد حملة الرفض الشعبي، ولا أعتقد أن وزير الصحة الدكتور معز بخيت سيعود للمنصب لانه اصطدم بحائط الرفض الشعبي، وبات مصير وزير الخارجية مجهولا حتى الآن بعد حملة الرفض الشعبي، غير أن  بعض المواقع نشرت  بأن رئيس الوزراء سوف يتولى بنفسه هذه الحقيبة لحين التوافق على وزير جديد. 

 *ويبقى السؤال الأهم اين الوزير عمر الصديق وزير الخارجية الذي تم تعيينه قبل كامل إدريس ولم يتسلم مهامه بعد، واين أختفى  وزير رئاسة الوزراء ورئيس الوزراء المكلف  السفير دفع الله الحاج،  الذي عين ايضا قبل أيام من تعيين كامل إدريس، واين موقعه من الإعراب  هل لا يزال سفيرا لجمهورية السودان لدى المملكة العربية السعودية، ام مرشح لوزير مجلس الوزراء ام ان أمره معلق بيد "البرهان بعد الإستخارة"؟!. 


*تسلل الظهير السياسي للمليشيا  أزيال السفارات أمر متوقع لا  على مستوى الحكومة الاتحادية، وإنما على كافة مؤسسات الدولة، حتى العدلية، والشرطية والاحزاب السياسية بذات الشخوص الذين لا يزالون في ضلالهم  القديم. 


 *حكومة كامل إدريس التي تكتمل فتحت بابا للمحاصصة السياسية والبلاد تعيش في حالة حرجة، والحرب لم تضع أوزارها، وكاد 'الرماة' ان يبارحوا  الجبل وينشغلوا بالغنائم ولولا لطف الله لحدث ما حدث. 

  *إشغال الناس في هذا التوقيت بكعكة لا تسمن، ولا تغني من جوع، يمزق الصف الوطني، ويفتح الباب واسعا  للشكوك والظنون والأوهام. 


  *الولاء منعقد بين الرئيس البرهان ورئيس وزرائه في الحقوق والواجبات ويتحملان العجر عن تشكيل الحكومة التي امتدت لنحو شهرين، مما يعطي انطباعا بأن لا امل يرتجى بعد أن تأكد الجميع ان البرهان سوف يتقاسم مع رئيس وزرائه السلطة في الجهاز التنفيذي بصورة مباشرة وغير مباشرة وغدا ستلحق هيئات ومفوضيات بالأمانة العامة لمجلس السيادة مثل سلطة  المعابر، والعديد من المجالس والشركات، ولن يتوارى الرئيس "البرهان" عن الانظار، مثلما توارى الخليفة المستعصم الذي سلم زمام الحكم للموالي، وتفرغ لاشباع رغباته وشهواته قبل اجتياح التتار لبغداد  عاصمة الخلافة، ولم يشاهده الناس في  بغداد لعدة سنوات، الا عندما خرج إلى سامراء راكبا على ظهر ناقته، فنزل من الهودج ليتبول، فشاهده اهل سامراء،  وأرخوا لتلك الحادثة بـ(مشهد البولة). 

*#يتبع#*

*الثلاثاء/15/ يوليو/2025م*

*الموافق/19/محرم /1447ه*

تعليقات